الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ...
بعد انتشارِ مقالٍ منسوبٍ لكاتبٍ بريطاني عاش في بعض دول الخليج يحتوي على مفارقات سجلها على دول الخليج ، قام طالبٌ مبتعثٌ بنفس العمل وسجل جملةً من مفارقات العقل الغربي ، والحقيقة أنه أبدع في تسجيلها ورصدها ، فرصد التناقضات في المجتمع الغربي بطريقة جميلة رأيت نشرها لتعميم الفائدة ، وقد نشرت في مجموعة د. عبد العزيز قاسم البريدية حسب اطلاعي القاصر ، ولا أدري إن كانت نُشرت قبل ذلك في مكان آخر .
مفارقات العقل الغربي (1)
هذا المجتمع الغربي ليس فيه أمر يشد الانتباه مثل التناقضات التي تتحول من ملاحظات مدهشة إلى مادة للتندر! سأعرض عليكم هاهنا نماذج من هذه المفارقات، وسأوافيكم لاحقاً بملاحظات مماثلة.
من الأمور العجيبة الغريبة الطريفة (الخ من مرادفات هذا اللفظ) أنهم –كما هو معروف- يتيحون شرب الخمور ويوفرونها في كل مكان، ثم بالمقابل يعاقبون أي شخص يقود سيارته وهو مخمور، وترى سيارات الأمن في ليالي الويكند ليس لها هم إلا مراقبة سلوك السيارات، وهل قائدها يقود بشكل طبيعي أم لا، ثم يفاجئونه بالقبض عليه، وتنفيذ العقوبة القانونية عليه.
طيب ياناس .. ياعالم .. ياهوه .. بالله عليكم الشخص المخمور من الطبيعي أن يفقد قدرته على التصرف بشكل صحيح، ولذلك من الطبيعي أن يدير محرك السيارة ولن يتذكر قطعاً قوانينكم هذه!
أنا لا أفهم كيف يقال له يسمح لك أن تفقد عقلك، ولكن إن فقدته فلاتركب سيارتك!!
بالله عليكم ياجماعة هل هذا منطق؟!
إما أن تمنعوا الشرب من الأساس، أو أن تتحملوا ضريبة تصرفات من يغيب عقله بسبب الشراب!
أما تقولون للناس ودّعوا عقولكم كما تشاؤون، ولكن يمنع على من ودع عقله أن يفعل .. وأن يفعل.. إلى آخر قائمة الممنوعات على المخمور، فلا أدري هل من كتب هذه القوانين جاد؟! المخمور يضيع أساسيات وجوده، ويرتكب حماقات تتفطن لها البهائم، وهؤلاء يخاطبونه بالقوانين الدقيقة كأنما يخاطبون أذكياء المحامين!
خذ مقارقة ثانية :
كل يوم والثاني طالع لنا في التايمز والجارديان والاندبندنت (الصحف الرسمية الكبرى هاهنا في بريطانيا) تقرير وإلا مختص في الشؤون التعليمية وكأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، ويتحدث بتفجع وألم عن كثرة حمل الصغيرات في المدارس، وأن نسبة الحمل في طالبات ماقبل الجامعة تزداد بشكل مخيف، وهاتك يامقارنات مع مراحل تاريخية سابقة، أو مع دول أوروبية أخرى، وترى معلقين يأتون من هنا وهناك يتفننون أيضاً في إظهار حزنهم على هذه الظواهر، ثم يتبعون ذلك بالحديث عن ازدياد حالات التحرش المسجلة (يعني الموضوع لم يعد رضائياً فقط) وأثرها النفسي الخطير على الفتيات، ومطالبات بزيادة العقوبات القانونية في موضوع التحرش!
ضجة حمل الصغيرات والتحرش هذه بصراحة ضجة لا أستطيع أن أفهمها بتاتاً !
يا أصحابنا الانجليز .. يعني طوال هذه السنوات وأنتو تشوفون البلاوي بسبب الاختلاط في التعليم وإلى الآن لم تقتنعوا يوجهة نظر المختصين الذين ينتقدون هذا النمط؟!
لعنبو العناد ياشيخ! والله الراس اليابس من جد!!
طبعاً شوفوا الحلول اللي زي وجم .. قبل فترة مسوين حملة للمدارس لرفع الوعي بتجنب الاتصال الكامل وأساليب منع الحمل، يعني إذا مصرين يابنات على الدشرة .. ادشروا بس لاتحملون الله يخليكم!!
عالم متناقض بشكل .. فاكينهم خليطي ويصيحون من الحمل والتحرش!!
خذ مفارقة ثالثة:
في المجتمع الأمريكي تجد السلاح متاح في كل مكان وبسهولة، وموضوع الحصول على مسدس في أمريكا أسهل من المساويك عند بيبان الجامع الكبير، ومع ذلك لايكفون في صحافتهم وتقاريرهم من الصياح والعويل من ازدياد الجرائم!! يعني ياجماعة بالله عليكم أنا غلطان وإلا هم مجانين؟! توزع الأسلحة على الناس ثم تقول : هاه لاتذابحون عاد !!
أنا ما أدري إيش قصدهم؟! قصدهم يعني كل واحد يدافع عن نفسه! حشا .. ماصرنا في دولة صرنا عصابات!! يعني صارت وظيفة البوليس ليس أن يحميك ولكن أن يعاقب من يعتدي عليك! لكن حماية نفسك فهذه وظيفتك أنت! بعدين إذا ذبحوك راح تبدأ الشرطة نشاطها!! وجعٍ يوجعكم إذا ذبحوني وش أبي بحمايتكم!!
وأحياناً أسمع ناس يقولون اعذرهم ترى لوبي السلاح قوي عندهم لحماية تجارته! بالله عليكم هذا عذر؟ وإلا عذر أقبح من ذنب! يعني كيف يسمون أنفسهم "مجتمع متقدم" وهم عاجزين عن عصابات السلاح!! ترى الجريمة ليست شيئاً هامشياً، الشعور بالأمن أهم من الطعام والشراب والترفيه! أما كل شوي مدنق راسي عن فشقةٍ طايرة منا وإلا منا! ماصارت دولة وحضارة!!
قدامكم يالأمريكان أحد طريقين: إما أنكم تحاصرون انتشار السلاح، أو أنكم تسكتون لاتغثونا في التفجع واللطميات على انتشار الجريمة، تحملوا قراركم!! وإذا ماقدرتوا تواجهون لوبي سلاح فلا أدري كيف ستواجهون مشاكلكم الأخرى!!
في الحلقة القادمة .. سأوافيكم بمفارقات أخرى لاحظتها في المجتمع الغربي! وسلموا لي على العقلانية!!
شكرا لكم.
طالب مبتعث
صفر 1431هـ
مفارقات العقل الغربي (2)
أعزائي.. حكيت لكم في الحلقة الأولى ثلاث مفارقات، وأبغى أحكي لكم هنا في الحلقة الثانية ثلاث مفارقات أخرى من مشاهداتي الشخصية لتناقضات المجتمع الغربي :
المفارقة الرابعة : اللي يشوت غيرك يشوتك!
لما بدينا الدراسة سمّعونا الأساتذة والأستاذات كلام يقطّر عسل عن احترام الشعوب والثقافات، وأنهم يحبون السعوديين، وأنهم خاقّين معنا للآخر، وأن الشباب السعوديين مرة يجننون، بصراحة .. لا أخفيكم إني خذيت مقلب بالسعودية، وصرت أقول: يا ألله .. لها الدرجة حنا محبوبين؟! حسبي الله على فرقة جلد الذات!!
المهم ما أمدى الدراسة تمشي، وتطيح الميانة، إلا وبدينا نسمع أساتذتنا البريطانيين يستهزون من قلب - تعرف وش معنى من قلب؟!- يستهزون بالغرور الفرنسي، وأن الفرنسيين مساكين مكبرين أرواحهم على إيش؟! وأن الفرنسي مايكلمك بالانجليزي حتى وهو في بريطانيا!! وهاتك ياتقطيع في الفرنسيين!!
ومشينا كم يوم .. إلا وأرقّ واحد في الأساتذة وأكثرهم كلام عن احترام الشعوب يقول لنا أ الكندي لو تخطي وتقول له: أنت أمريكي؟! ينفجر في وجهك! وبدا يقلد أصوات الكنديين بطريقة تهكمية، طبعاً هو الأستاذ على باله يعرف يقلد أصوات، وهو والله ماعنده سالفة! كل اللي يسويه أنه يسكر خشمه ويتكلم بخنّة، ومسوي نفسه "ظريف"!
مشت الأيام .. وبدت الانتخابات الأمريكية (انتخابات أوباما اللي طافت) وكل صباح يسمعونّا أساتذتنا الانجليز شتايم في الأمريكان وأن انتخابتهم مملة (boring) وأن الأمريكان مشغلين الدنيا عالفاضي، وأن ماعندهم تاريخ عريق زينا يالانجليز!!
توقعت أن الموضوع مجرد حزازة بين بلد والثاني، لكن الموضوع طوّل، وبدو يسمّعونّا أنواع العيارات، والعبارات الجارحة عن دول ثانية!!
أما الإيطاليين، فوالله يالانجليز حاقرينهم بشكل، مايعبرونهم، معتبرينهم قراوة وجلوف ولاعندهم لباقة وذوق!! عاد من زين لباقة البريطانيين وذوقهم!
هذولا طبعاً يقال لك هم عاقل المرة، أقصد الأساتذة العاقلين، أما الأساتذة المصرقعين، فيطيحون بالثقيل من جد، الانجليزي عندنا دايم يسب الاسكتلدنيين أنهم بخلاء مايطوفون الطوّاف (stingy) والاسكتلنديين يقولون عن الانجليز أنهم مقطبين! هذولا وهم كلهم عيال ديرة وحدة! أقشر وطنية!!
لا .. واللي يقهرني من جد لا قعدوا الانجليز يتكلمون عن بخل الاسكتلنديين، ذابحكم الكرم يالانجليز! شمامرة على الغفلة!! بدلة وحدة طول السنة متقطعة أطرافها من الكرف كنها زوليّة عزوبية!! وإذا قالوا لك: عندنا اليوم مناسبة لاتخلينا عاد؟ إثرها شاهي وبسكوت!! والله خوش عزيمة!! لعنبو القعاطة ياشيخ!!
المهم .. خلّو هذا كله .. مرة وحنا طالعين من الكلاس قلت لرفيقي: نايف .. إذا كان أساتذتنا يقطّعون جلد كل هالدول، معقولة يعني يحبونّا حنّا؟ يعني حبكت علينا حنّا؟ حنّا فقط الاستثناء؟! الروابط اللي بينهم وبين الاسكتلندي والفرنسي والأمريكي أضعاف الروابط اللي بيننا وبينهم، ياخي بديت أشك في كلامهم الأول أنهم يحبون السعوديين! معقولة كلها مجاملات وهلس في هلس؟!
طبعاً التفت بوجهي نايف، وطخ هذيك الضحكة اللي فقعت أذني، وقال: والله يا أنت مخفة من جد! "اللي يشوت غيرك يشوتك ياحبيبي" !!
راح نايف يخلص أوراق تبع الملحقية ما ادري وش قصتها، لكني أنا وقفت أردد زي المسبوه عبارته (اللي يشوت غيرك يشوتك)!!
يا ألله .. إذا هذا كلامهم عن أقاليم من وطنهم، وعن أوروبا التي يشاركونها ثقافتها، وعن أمريكا التي يشاركونها كل ذرة من المصالح السياسية، أجل وش يقولون عنا حنا؟!
المفارقة الخامسة: التوقيت المعكوس!
من أول ماجيت لبريطانيا صجونا الأساتذة يقولون لازم تتابعون الـ BBC عشان تطورون لغتكم، وتصير لكم تدريب عملي، طبعاً أنا شخصياً ما أحب التلفزيون ولا أجد فيه أي متعة، فكني بس على النت وإن بغيت اجدعني في الرويس!
المهم استعنت بالله ورحت وشريت تلفزيون صغير (على بالي أن المنكر يصغر مع صغر التلفزيون!) وصرت أنتظر الأخبار وبعض البرامج الوثائقية، بعدين لاحظت أن البرامج أحياناً محافظة جداً، وأحياناً يِقلِعون ويحومون كبدك بمشاهد اللحم المكشوف الله لا يبلانا، بصراحة مافهمت السالفة, بالمصادفة ثار الموضوع مع أحد الزملاء، فشرح لي الأمر برمته، وقال لي: أن هناك سقف زمني في المساء، وهو اللي يفترض أن الأطفال يكونون ناموا فيه، بعدها تبدأ السربتة!
الطريف في الأمر أن المراهقين عندهم هم اللي يسهرون، والشيبان هم اللي ينامون بدري!!
يعني صار الموضوع أردى، يصير التلفزيون مصلوخ إذا ناموا الأهل وبقي المراهق لوحده!! ومسوين لي فيها سياسة وتنظيم!! أقشر تنظيم !!
المفارقة السادسة : الدبّا والعصقولة!
حين تطأ قدمك بريطانيا فإنهم يمهلونك سنة كاملة يحق لك فيها أن تقود السيارة برخصتك الوطنية الخاصة، وبعد نهاية السنة لازم تطلّع رخصة بريطانية، طبعاً أنا أعتبر نفسي أعظم "عجّاز" في العالم، كل شي ولا أراجع دائرة حكومية، قالوا لي ترى إذا مسكوك الأمن بدون رخصة يودون سيارتك إلى المكبس، يعني تصير سيارتك مع القواطي!
المهم أنني قررت أن أواصل مبدئي في الحياة وهو مبدأ التكاسل عن مراجعة الدوائر الحكومية.
لم تحدث لي أية مشاكل ولله الحمد.
لكن لما بدأ الفصل الدراسي جيت لقسم الأمن بالجامعة أبغى أدفع رسوم المواقف عشان آخذ تصريح للمواقف، قالوا لي الجامعة مانعطيك "تصريح" إلا يكون معك رخصة، قلت لهم معي رخصة وطنية، قالوا راح عليها سنة، ولازم تطلع رخصة بريطانية!
طبعاً دارت الدنيا في وجهي، وعلمت أنني في صدد أزمة مراجعة لاستصدار رخصة، بما فيها مذاكرة عدة كتب، ومشاهدة عدة سيديات، واجتياز اختبار صارم ومتآمر غالب من يدخله يرسب، هذا يعني أنني لن أتمكن من أن أحضر للجامعة بسيارتي، هذا يعني أنني سأتكلف عناء البحث عن الباصات التعيسة!
قفلت مهموماً للمنزل، ومن الغد وحين كنا في أعقاب أحد المحاضرات، قال لي أحد زملاء التخصص واسمه سليمان، لماذا جئت متأخراً اليوم؟ فقلت له: والله يابوداود اضطررت للمجئ على الأقدام، لأنني لم أستصدر تصريح المواقف بسبب عدم حيازتي لرخصة بريطانية، وأمن الجامعة الأقشر عيّو يعطوني تصريح.
ضحك صاحبي سليمان وقال: رحت للدبّا وإلا للعصقولة؟
طبعاً، وقفت حائراً أمام هذا السؤال اللغز! وقلت له: ماذا تقصد؟ أي دبّا وأي عصقولة تستهبل أنت؟!
قال لي: في قسم الأمن في الجامعة فيه حرمتين، وحدة عصقولة قشرا، ماتعطيك تصريح إلا برخصة بريطانية، ووحدة دبّا وجا سمح، تعطيك تصريح وتقول مو لازم رخصة بريطانية!
تبسمت تبسم المستغرب الذي لم يصدق مايسمع، قلت لسليمان: وين أنت رايح؟ الأمور عندهم نظام، والنظام يمشي على الجميع، يعني معقولة في قسم واحد كل موظف مسوي له ستاندرد خاص؟!
ضحك سليمان، وقال لي: والله يا أنت على وجهك! رح وجرّب.
ذهبت مباشرة بعد المحاضرة، ووقفت قريباً من الباب أتحين نوبة الدبّا (حسب توصيف سليمان) فلما فرغ طابورها، قفزت أمام مكتبها، وقدمت أوراقي، قالت: رخصتك لو سمحت، وكم مضى عليك في بريطانيا؟ قدمت لها الرخصة الوطنية، وقلت مضى لي هاهنا سنتان، قلتها وأنا مرعوب، خفضت رأسها تبحث عن الدباسة، طقّت أوراقي مع بعض وقالت تعال بعد ثلاثة ايام استلم تصريحك!
طلعت من المكتب وأنا مو مصدق اللي صار، معقولة في قسم واحد، ليس فيه إلا موظفين اثنين، كل واحد حاط شروط ومتطلبات خاصة، لدرجة أن واحد يرفض طلبك والثاني يقبله! لعنبو الفوضى ياشيييخ!!
الله يقلعك ياسليمان! وأثر الموضوع بهالبساطة .. سلم لي ياشيخ على قانون الدبّا والعصقولة!
وداعاً أعزائي مع حلقة قادمة، أواصل لكم فيها حكاية مفارقات أخرى شاهدتها في المجتمع الغربي!.
طالب مبتعث
صفر 1431هـ
لا يوجد حالياً أي تعليق